تداول الاعلام خلال الايام الماضية دعوات من قبل شخصيات علمية وذات مناصب مهمة في المجتمع الطبي والصيدلاني medical and pharmaceutical community تضمنت حث الطلبة على عدم الدخول في مجال الطب والصيدلة في العراق من خريجي الدراسة الاعدادية لأسباب منها: عدم وجود تعيينات حكومية مستقبلاً، وان نصائح الماضي لا تصلح للمستقبل.
مع تقديرنا وأحترامنا الشديد لأصحاب هذه الدعوات، ونتفهم تخصصهم الدقيق وتركيزهم على أداء المهام المناطة بهم ومجالات عملهم التي عبر جهودهم المقدرة وصلوا الى ما هم عليه الآن، الا ان المسائل لا تقاس عبر زاوية واحدة - وأقصد هنا زاوية ممارسة المهنة بشكل مجرد – بل كافة زوايا الحالة أو المشكلة والتي تشمل الجوانب القيادية والادارية والاجرائية والمالية والرقابية...الخ.
من حق الجميع تحقيق طموحه المشروع، وان كل أنسان في الحياة له الحق في سلك المسار الذي يرغبه ويجد ذاته فيه، ونحن كما يفترض ان نكون موجهين للمجتمع وأفراده و علينا إيجاد الحلول التي نتجاوز عبرها معوقات الحاضر بأفضل الطرق وأيسرها تطبيقاً وأقلها جهد وتكلفة.
كنت أتمنى أن ينظر جميع من يشغل مفاصل إدارة الدولة والمجتمع الى خارج صندوق الافكار التقليدية، ان الدعوة الى إزاحة كفاءات مستقبلية متوقعة لـ 1 % من أبنائنا الراغبين بالدراسة في التخصصات الطبية والصيدلانية قد تحرم العالم بأكمله من مبدع قد يجد حلاً لمعضلة صحية أو علاجًا لمرض يؤرّق تفكير المجتمع الإنساني في جميع أنحاء العالم، كأمراض السرطان وغيرها، أو ينقذ حياة أنسان سواء كان فرداً من مجتمع أو مبدعاً سيقدم ابتكاراته للعالم بعد نجاته.
دعونا نجتمع على فكرة جديدة لإطلاق دعوة لتطوير كل من القطاع الصحي بأكمله خدمة لمواطنينا وشعبنا من جانب، وتطوير فرص التطور والتقدم لأبنائنا الموجودين حالياً في القطاع الصحي والراغبين بالدخول فيه من جانب آخر، عبر الاستثمار بـ (الرأسمال البشري) من خلال دمج ثورة التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تقبل عليها البشرية، وتعد لها العدة الكثير من الدول ونأمل أن يكون العراق وشعبه من ضمنها. وهي عملية بسيطة في حال وجود رغبة حقيقية وصادقة من أصحاب القرار في الدولة والمجتمع.
أن صعوبة وجود فرص عمل مستقبلية وازدياد التنافس الوظيفي حالة مدركة من قبلنا، لكن وبصراحة نتبناها كما في كامل طروحاتنا، الأسباب تعود الى سوء إدارة مفاصل الدولة من قبل القائمين عليها.
جميع التخصصات (الادارية، الهندسية، العلمية، الانسانية) تعاني من ذات المشكلة، مشكلة البطالة جراء انعدام التخطيط الواعي والمستند على أولوية المواطن ومصالحه ومستقبله، ومع الأسف الشديد يلجأ أصحاب القرار لتبني الانجازات الشكلية ذات (العوائد الأعلامية) دون التفكير الاستراتيجي الرامي الى تحصين الحاضر وتأمين المستقبل لأبناء شعبنا المبتلى.
في عام 1948، أعلنت جامعة هارفارد عن إلغاء وظائف لتدريسيين في قسم الجغرافيا بحجة انتفاء الحاجة لهذا التخصص تمهيداً لألغاءه، وتم توصيف علم الجغرافيا بالعلم القديم لأكتمال رسم الخرائط العالمية ولا حاجة لمن يختص به للمستقبل.
في العام 1963 أطلق عالم بريطاني مقيم في كندا يدعى روجر توملينسون (1933 – 2014)"نظم المعلومات الجغرافية" بعد دمجها بعلم البيانات، وأنطلقت بعدها ثورة الـ (GIS) لتدخل في مفاصل حياتنا اليومية كأفراد ومؤسسات وحكومات وشركات، ولولا شخص مبدع تحدى قرار أعرق جامعات العالم لكنا متأخرين عقود من الزمن لتطوير الخدمات للانسان في المجالات كافة (كالطب، الهندسة، الطوارئ، إدارة الكوارث، الجيش، الأمن، الأتصالات، وأنتهاء بخدمات الأسعاف الفوري وتسليم الطلبات).
نحن نرى أن كل أنسان هو مشروع لمبتكر جديد قد يكون سبباً في مساعدة المجتمع الانساني سواء عبر وظيفته أو مدينته ومجتمعه الصغير أو دولته وشعبه، أو العالم بأكمله، لذلك علينا توفير أدوات النجاح والأبداع والعيش الكريم وفرص تحقيق الطموح لكل أنسان، ليكون سعيه لاحقاً هو معيار النجاح والتميز، أو الركون والأنكفاء. وعلى هذا الأساس بنينا في برنامجنا العملي والتطبيقي لإدارة الدولة في حال تمكننا من تشكيل حكومة وطنية من تطبيق برنامج متكامل لإدارة الرأسمال البشري الوطني عبر مشاريع متكاملة قابلة للتطبيق على أرض الواقع وضمن الموارد والفرص المتاحة، دون أن تكون دعوات على الورق من أجل التكسب الانتخابي والظهور الأعلامي، وأن من مشاريع برامجنا الوطنية التطبيقية منح فرصة عمل كريمة وذات عائد يتجاوز مستوى الفقر لمليون مواطن عراقي يبحث بجد عن عمل يغنيه عن حياة العوز والفقر ويمنحه فرصة ليكون لبنة من لبنات مجتمع جديد لائق بمستوى العراق وشعبه وثرواته. وقد ذكرنا هذه المعلومة في سياق هذا الحديث لغرض أثبات إمكانية معالجة الاختلالات الحاصلة في أقتصاديات سوق العمل في العراق رغم العقود العديدة التي عانى عبرها العراقيون كافة من سوء السياسات عامة والاقتصادية على وجه الخصوص.
أكرر دعوتي الخالصة والبعيدة عن أي منفعة خاصة سياسية كانت أم انتخابية لكل مواطن مكنه الله تعالى من تبوء منصب أو إشغال مكانة أجتماعية أو دينية أو رسمية أو أقتصادية الى النظر عبر الجوانب كافة لكل مشكلة موجودة أو متوقعة، أو لكل فرصة متاحة أو محتملة،
وأختم حديثي هذا بمقولة لألبرت إينشتاين (لكل مشكلة حل، وإن لم يكن لها حل فهي ليست مشكلة)