جيد أن يكون الأبناء مختلفين ويحملون رؤية وتصورا أكثر تماهيا مع الجيل الجديد في مجتمع غالب أبنائه من الشبان الطامحين الذين تستهويهم الأفكار الحداثوية، ويميلون الى المدنية بوصفها عابرة للأديان والطوائف والقوميات والجغرافيا وعوالق التاريخ التي تستدعي الأحقاد والضغائن، وتسبب ضياع الأمم، وفصلها عن إنسانيتها، وتحويلها الى مجموعات متوحشة تنتزع ماتريد بالقوة القاهرة والترهيب والتخويف والإنعزال، ولهذا فالمدنية حالة متمردة على السائد، وعلى الزيف والوهم شرط أن لاتكون مدنية مستنسخة مصطنعة تستهدف إختراق القيم والعادات والتراث الأصيل.
في خطابات الشيخ خميس الخنجر مايثير جدلية حادة في شؤون السياسة والدين والمذهب، مع إنزياحه الى مفهوم الزعامة والتفكير في مشروع، وتجاوز الفكرة السطحية المتمثلة بالحصول على منصب تنفيذي، أو تشريعي، ولعلها فكرة ناجحة يميل لها بعد تجربة أغلب من تبوأوا مناصب عليا، وبعد مغادرتهم المنصب شكلوا أحزابا وتكتلات، لكن الخنجر إستبق ذلك بأن شكل مشروعا سياسيا يتجاوز المنصب الى التأثير في القرار وصناعته، وعقد شراكات محلية ودولية، والإستفادة من تجربة المعارضة، والبحث عن مساحة للسنة في الحالة العامة للدولة بعد أن كان الغموض يطبع التصورات التقليدية للسياسة، وماإذا كان السنة رافضين مسلحين، وغير آبهين بالتحولات الكبرى، وملتصقين بموروث سياسي لايتناسب والصدمة التي أحدثها التغيير في العراق على مستوى البنية السياسية والإقتصادية والإجتماعية، أم إنهم سيقررون في لحظة فارقة أن يكونوا جزءا من السياسة، وفاعلين في صناعة القرار ؟
يبدو سرمد الخنجر كمن يقول : لن أعيش في جلباب أبي، وسأختط لنفسي طريقا مختلفا دون التخلي عن المباديء الأساسية في الحياة، وأخذ يدعم فكرة المشروع المدني التي لاتصطدم بالضرورة بالمشروع العربي.. فالتحول الفكري نحو الترويج لمفاهيم الحداثة السياسية والتصورات التي يؤمن بها المجتمع المدني في الإدارة والحكم، وتغليب الإنسانية على قيود المذهب والقومية، وتجاوز ذلك الى فضاء وطني متعدد ملهم للطاقات ومحفز لتحقيق الإمكانات يعني أن سرمد الخنجر ربما يهيىء لمرحلة سياسية جديدة تستقطب الشباب المحبط الذي تتملكه مشاعر التردد، وعدم الثقة، وغياب الأمل حيث يجد في القيادات الشابة التي درست التجربة الماضية ملاذا يمكن أن يوفر فرصا أكثر جدية ونجاعة لتحقيق الذات، وإزالة ماعلق بها من يأس وخوف وشعور بالضياع.
يتواصل سرمد الخنجر مع مجتمع متردد موغل في اليأس يريد أن يتمسك بخيط ثقة ليعمل بعد ذلك على منح قبوله بالمشروع المطروح على الطاولة، ويلتقي بشيوخ العشائر ومجموعات من الشبان والمثقفين والإعلاميين، ولعلها محاولة جيدة للتأسيس لمرحلة مختلفة تماما مقبلة يشرع فيها العراق بالتطلع الى مستقبل أفضل وفق مبدأ الشراكة في الوطن والعمل وتحقيق الأهداف والغايات، وعدم الإستسلام للضغوط، والنظر الى العراقيين جميعهم بوصفهم مواطنين في بلد يتسع لهم، ولاتضيق مساحته على أفكارهم وأحلامهم.