الأزمة المالية في العراق

حسن هادي السلامي

16/01/2025
تكبير الخط
تصغير الخط

تُعَدُّ الأزمة المالية في العراق واحدة من أبرز التحديات التي تواجه البلاد في الوقت الراهن، وهي أزمة متجذرة في عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة. فالاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث تشكل هذه الإيرادات النسبة الأكبر من ميزانية الدولة، مما يجعل الاقتصاد هشًا أمام تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. ومع انخفاض هذه الأسعار في فترات متعددة، باتت الدولة تعاني من عجز مالي كبير أثر بشكل مباشر على قدرتها على تمويل المشاريع التنموية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

ومما يزيد من تعقيد الأزمة انتشار الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، حيث يُعدُّ العراق من بين الدول التي تواجه مستويات مرتفعة من الفساد وفق مؤشرات دولية معروفة. هذا الفساد يؤدي إلى إهدار موارد الدولة وتوجيهها بعيدًا عن المسارات الصحيحة، ما يحرم الاقتصاد من فرص حقيقية للنمو والاستقرار. إلى جانب ذلك، تعاني الميزانية العامة من تضخم هائل في النفقات التشغيلية، حيث تُوجَّه نسبة كبيرة منها لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين، مما يترك مساحة ضيقة جدًا للاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وعلى الرغم من غنى العراق بالموارد الطبيعية والبشرية، فإن السياسات الاقتصادية السابقة والحالية أخفقت في تحقيق التنوع الاقتصادي. فالبلاد تمتلك إمكانيات كبيرة في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، لكنها لا تزال غير مستغلة بشكل كامل. إضافة إلى ذلك، فإن الأزمات السياسية المستمرة والصراعات الداخلية والحروب قد استنزفت جزءًا كبيرًا من موارد الدولة وعرقلت عجلة التنمية بشكل كبير.

معالجة هذه الأزمة تتطلب خطوات استراتيجية تبدأ بتنويع مصادر الدخل الوطني، حيث ينبغي للحكومة التركيز على تطوير القطاعات غير النفطية وتعزيز الإنتاج المحلي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي توفر فرص عمل واسعة وتعزز الاكتفاء الذاتي. كما أن محاربة الفساد تمثل عنصرًا حاسمًا في أي خطة للإصلاح المالي، وذلك عبر تعزيز الشفافية واعتماد أنظمة رقابية صارمة على جميع المؤسسات الحكومية.

ومن بين الحلول الأخرى التي يمكن أن تساهم في معالجة الأزمة تحسين النظام الضريبي وتوسيعه ليشمل فئات جديدة دون إثقال كاهل المواطنين ذوي الدخل المحدود. كما ينبغي إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي لتقليل الهدر وتوجيه الموارد نحو القطاعات التي تسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، فإن جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية عبر تحسين البيئة الاستثمارية في البلاد يعد أمرًا ضروريًا، خاصة من خلال إصلاح القوانين وتوفير ضمانات قانونية تحمي حقوق المستثمرين.

إن الأزمة المالية التي يواجهها العراق ليست مستعصية على الحل، لكنها تتطلب إرادة سياسية قوية وخططًا بعيدة المدى تستهدف إصلاح هيكل الاقتصاد بشكل جذري. من خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكن للعراق أن يضع نفسه على مسار مستدام نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يحقق الاستقرار والازدهار للمواطنين في المستقبل.

المزيد من مقالات الكاتب