لم تترك الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة لمفاعلات إيران النووية مساحة للتأويل والتبرير فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من المواجهة المشتعلة بين إيران والكيان، وإذا ماكانت واشنطن مترددة فعلا، أو لاتريد المشاركة بالفعل الى جانب الحليف الإسرائيلي الذي يصر على الصفة غير السلمية للبرنامج النووي الإيراني، ويعمل جاهدا على تقويض أي جهد دولي لحل معضلة هذا الملف الذي أخذ زمنا طويلا في أروقة المحافل الدولية، وأشبع نقاشا، وصار متداولا كقضية كونية أبدية غير قابلة للحل بالرغم من التأكيد الإيراني على سلمية برنامجها، وسعيها للإستفادة القصوى منه في مجالات حيوية وتنموية في قطاعات مختلفة منها الكهرباء والبحث العلمي ومعالجة الأمراض.
الملاحظ بشدة أن الأمر لو ترك لإيران وأمريكا لكانت الأمور أخذت بعدا مختلفا يقترب من الإيجابية، لكن الدخول غير القانوني، وغير المبرر والعدوانية التي يظهرها بنيامين نتنياهو في تعامله مع أي تهديد محتمل، أو مفترض جعل الأمور أكثر تعقيدا، ودفع بعض الإرادات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل الى الضغط على الرئيس دونالد ترامب ليقوم بشيء ما، فكانت الضربات الأمريكية أشبه بالترضية لبنيامين نتنياهو وقد وصف رئيس الدبلوماسية الإيرانية عباس عراقجي ذلك التحرك الأمريكي بأنه محاولة أمريكية لإنقاذ نتنياهو الذي يصفه عراقجي بأنه تورط في هذا الصراع الذي تحاول واشنطن إنهائه، بينما يرغب نتنياهو بجعله صراعا كونيا تقف هي فيه جانبا بينما تتولى الآلة الغربية المهمة نيابة عن دولة إسرائيل.
يرى مراقبون أن نتنياهو كان على علم بالقدرات الإيرانية، وتوهم أن الأمور ربما وقفت عند هذا الحد، وكان يظن إن إيران لن ترد لأنها تفتقد الى القرار وهو مالم يكن في الحسبان حيث تبين وجود قدرات وقرار لدى الجانب الإيراني الذي إستخدم ترسانته العسكرية المتمثلة بالصواريخ البالستية والفرط صوتية، وبمديات بعيدة وسعات تفجيرية متعددة أحدثت كمية من الدمار غير مسبوقة جعلت الجميع يعيد حساباته العسكرية، وبرغم الضربات الإسرائيلية، والدعم الأمريكي اللامحدود فإن الموقف الإيراني بقي ثابتا وقويا إستدعى تصريحات من الرئيس الأمريكي عنيفة أحيانا، وفيها جانب من المغازلة السياسية التي تشير الى رغبة في إنهاء النزاع الذي تريد طهران أن تكون فيه الطرف الذي يقوم بتوجيه الضربة الأخيرة.
